كيف تربّي حالة الممانعة ؟ هنا أنّ الضغوط ليست دائماً سيِّئة أو سلبية ، فبعضها نافع في تفجير طاقات الانسان ، ولعلّك قرأتَ كيف أنّ أبرز الكتّاب والشعراء والروائيين والفنّانين ، هم الذين عانوا الضغوط المعيشية والنفسية ، فأنتجوا روائع الأدب الانسانيّ الذي تتوارثه الأجيال .كما أنّ ترويض النفس ومجاهدتها واختيارها للصعب ينمّي عودها ويقوّي ملكاتها .ولمّا كان التركيز على الضغوط السلبية ، فإنّ طرق معالجتها ، أو سبل التعامل معها ، يمكن أن تتمّ بما يلي :1 ـ إنّ الضغوط والاستجابة لها ورفضها يتغيّر مع تقدّم العمر ونموّ الثقافة واختزان التجربة ، فقد تستجيب للضغط في مرحلة المراهقة ، لكنك ترفض الاستجابة له بعد أن تلمس بالتجربة مردوداته عليك .ولا يعني هذا أن تترك الضغط السلبي حتى مرحلة لاحقة من العمر ، بل جرِّب المقاومة من الآن ، وتذكّر أنّها مقاومة تصنع النفوس الكبيرة .وإذا كانت النفوس كباراً***تعبت في مرادِها الأجسامُ2 ـ لا تفعل شيئاً لست مستعداً لفعله ، فكما أ نّك لا تستطيع أن تأكل طعاماً لا تشتهيه ، وإذا تناولته فربّما تتقيّؤه ، فكذلك لا تستحِ من قول (لا) لأيّ فعل لا تتمكن من أدائه أو ربّما تنجزه إنجازاً سيِّئاً .فقولك (لا) أفضل من أن تقدِّم شيئاً ناقصاً ، أو فيه خلل .3 ـ كنْ صادقاً مع نفسك .. لا تظهر بمظهر غير الذي أنت عليه ، فذلك مما يسبِّب لك الضغط والتوتر النفسيّ ، فكلّما كنتَ أنتَ لا غيرك ، وتصرّفت على سجيتك ، أحسست بالثقة والسعادة حتى ولو كنت تمتلك القليل من المال أو الثقافة ، فإنّك ستجد مَنْ يسعد بصحبتك لأخلاقك الكريمة وابتسامتك العذبة وإصغائك الجيِّد ، وكلماتك الطيبة .4 ـ احذف من قاموسك كلمة واحدة (لا أستطيع) فإنّك قادر ، إن أردتَ ذلك ، على مقاومة الفشل واليأس والتشاؤم والآلام ..لقد جرّب كثيرون غيرك هذه الوصفة .. ونجحوا .أنت لستَ أقلّ منهم .5 ـ إنّ مواجهة ضغط السخرية والاستخفاف تعتمد على :أ . تقديرك لذاتك .ب . تقديرك لعملك .ج . تقديرك لأهدافك .د . تقديرك للساخرين أنفسهم ولأساليبهم .6 ـ اتّبع اسلوباً ذكياً محبباً مع الذين يضغطون عليك من الأصدقاء والأحبّة ، وإليك بعضاً من ذلك :فإذا دعاك أحدهم للتدخين ، وقال لك : إذا كنتَ تحبّني أرجو أن تدخّن هذه السيجارة ، فقل له : إذا كنت تحبّني فعلاً فلا تضغط عليَّ .أو تقول له : هناك طرق أخرى أعبِّر لك بها عن حبّي غير السيجارة !أو تقول له : عبِّر لي أنتَ عن حبّك بترك التدخين .أو تقول له : هل لك أن توضِّح لي ، ما هي فوائد التدخين ؟وإذا قال لك : كلّ الشباب يدخنون ، فلماذا لا تدخّن أنت ؟فقل له : ليس كلّهم .. أنا مثلاً لا أفعل .وإذا قال لك : لستَ رجلاً إذا لم تفعل ذلك .فقل له : هذا ليس من الرجولة في شيء .وهكذا في أيّة حالة ضغط من قبل صديق أو عزيز ، يمكنك أن تجد المخارج المناسبة التي تردّ على الضغط بلطف .7 ـ ادرس طبيعة الضغط ، ولا تهوّل الضغوط ولا تقزّمها أو تسطّحها .. اعط لكل ضغط حجمه الطبيعي ، وانظر هل هو ضغط حقيقي أم ضغط وهمي اصطناعي ، وتعامل معه على هذا الأساس ، فلا تنفق من أعصابك على الضغوط الوهمية واستسخفها إذا لم تتمكن من تجاهلها ، وعالج الضغوط الحقيقية بما تستحق من وعي وتحليل والبحث عن مخارج .8 ـ تذكّر حلاوة تجارب الممانعة .. السابقة ، وتذكّر مرارة التجارب مع الضغوط السلبية ، لتستذوق المزيد من الحلاوة ، وتستبعد ـ ما أمكن ذلك ـ أيّة مرارة .9 ـ بعض الضغوط تشبه الكابسة التي تكبس الأنفاس ، وتخنق الصدور ، ولأجل التخفيف عنها حاول أن تتعلّم كيف تستخدم روح الدعابة ، فالمرارة الشديدة تحتاج إلى شيء من النكتة أو الطرفة للتخفيف من علقمها ، ومن الكبت والإحتقان الذي تعانيه .10 ـ إنّ ما يجعل الضغوط شديدة الوقع ، هو أ نّك تتذكرها دائماً ، ومن المنصوح به في مثل هذه الحالات أن تتناساها ولا نقول إنسها ، فذلك أيسر .إشغل نفسك بما هو مجد ونافع .. شاهد برنامجاً ترفيهياً أو تربوياً .. استمع إلى محاضرة أو موعظة .. اقرأ كتاباً خالياً من الإثارات السلبية .. اخرج عن العزلة الطويلة ، واعتزل الأجواء الضاغطة بعض الوقت ، فالبقاء في العزلة الطويلة يشكل ضغطاً بحد ذاته ، كما أنّ الاعتزال المؤقت لأجواء الضغط يريح أعصابك .11 ـ استعن بأهل الخبرة والتجربة والعلم كمرشدين أو استشاريين في حال وجدت نفسك تواجه ضغوطاً مادية ونفسية ، فلعلّ فكرة أو رأياً أو نصيحة لم تخطر على بالك تساعدك على رفع ضغط أو تجنّبه أو تخفيفه .فالرغبة الجنسية ، رغبة ضاغطة في مرحلتي المراهقة والشباب ، والتجربة أثبتت إمكانية مقاومة تصريفها بطرق غير سليمة أو غير شرعية ، ومنها :أ . الابتعاد ـ ما أمكن ـ عن الأجواء الخليعة المختلطة ، لأ نّها أجواء إثارة .ب . تعويد البصر على الغضّ والخفض لأ نّه النافذة الكبرى إلى الغريزة .ج . اجتناب الدخول إلى المواقع الإباحية على الانترنيت ، فهي منزلق خطير .د . تجنّب مشاهدة الأفلام الماجنة ، فهي كالأجواء الخليعة مثيرة للغريزة .هـ . تنمية الوازع الديني ومعرفة الحلال والحرام .. والإحساس بشهادة الله تعالى ، فكلّما ازداد نموّ هذا الوازع تقلّصت درجة الضغوط .و . الانشغال بأعمال مهمّة وممارسة الهوايات المفضّلة ، كاجراء مضاد لانشغال الغريزة بالتوتر .ز . مراعاة الغذاء الصحّي ، فبعض الأغذية الدسمة والحلويات والبهارات عوامل مهيّجة .ح . ممارسة الرياضة وبذل الجهد العضلي كجزء من تصريف الطاقة .ط . تحاشَ قراءة الروايات الغرامية المبتذلة التي تصوّر المشاهد الفاضحة ، فهي أشبه بصبّ الزيت على النار .ي . عدم البقاء وحيداً منفرداً في غرفة مغلقة تتنفس فيها الخيالات الجنسية ، لا سيما إذا كان فيها تلفاز وفديو .وقد ينبري شاب ، ويقول : أنتم تستخدمون أفعال الأمر الشديدة : (تجنّب) ، (ابتعد) ، (لا تدخل) ، (تحاشَ) وكلّها ممنوعات ، والممنوعات ضغوط أيضاً ، فأنتم بذلك تحتجزون حريّتي .وللردّ على ذلك نقول : إنّ هذه النواهي والأوامر هي أشبه شيء بتوصيات الطبيب وارشاداته ، فهو يعرض عليك ما يضرّ بصحّتك ويمنعك عنه ، وما يفيدها فيأمرك به . وبإمكانك ـ بالطبع ـ مخالفته وتناول ما يضرّك والامتناع عمّا يفيدك ، لكنّك وحدك الذي تتحمّل مسؤولية التردّي الصحّي الذي ستعانيه لأ نّك لم تأخذ بنصائح الطبيب وتوصياته .فقد تجد متعة بصرية آنية في مشاهدة فيلم ماجن ، لكنّه يثير غريزتك ، وإذا ثارت فإنّها تحتاج إلى التنفيس ، وقد لا يتاح لك التنفيس عن الطريق الشرعي والطبيعي ، وعندها تضطر إلى ممارسة الحرام ، أو تبقى تعاني الكبت والحرمان ، وقد يزداد فضولك فتدمن على مشاهدة هذه الأفلام ، وبذلك تفسح للضغوط أن تبقى ممسكة بأعصابك على الدوام .ولك أن تختار .. فإمّا أن تأخذ برأي الطبيب المجرّب ، وهو لك ناصح مشفق ، وإمّا أن تعمل باجتهادك ، وتدفع ضريبة المخالفة .12 ـ ومن بين أهمّ العلاجات ، الالتجاء إلى الله سبحانه وتعالىوالاستعانة به ـ إزاء كلّ ضغط ـ كبيراً كان أو صغيراً . فأنت حينما تقول (لا حول ولا قوّة إلاّ بالله) لا تسقط حجّتك وقوّتك وإرادتك ، وإنّما تستمدّ الحول الأكبر والقوّة الأقوى من صاحب الحول والقوّة الذي لولا حوله وقوّته لكنت عاجزاً عن فعل أيّ شيء .لقد عاش يوسف (عليه السلام) ـ كمثل للشبان ـ حالة من الضغط النفسي والجنسي شديدة جداً ، سواء مع امرأة العزيز ، أو مع النسوة اللاّئي قطّعن أيديهنّ وأمرنه بممارسة الفحشاء ، لكنّه استعصم ولاذ بالله فكان ملاذه الأمين .وعاشت (آسية بنت مزاحم) ـ كمثل للفتيات ـ تحت ضغط عنيف من قبل زوجها (فرعون) الذي هدّدها بالصلب إن لم تستجب لطغيانه وتدين بكفره ، فالتجأت إلى الله تعالى ، و (قالت ربّ ابن لي عندك بيتاً في الجنّة ونجِّني من فرعون وعمله ونجِّني من القوم الظالمين ).فتذكّر وعد الله لك ولكل مؤمن ومؤمنة (ومَنْ يتّق الله يجعل له مخرجاً * ويرزقه من حيث لا يحتسب ). فإذا سدّ الضغطُ البابَ بوجهك فباب الله مفتوح .13 ـ ومن المفيد أيضاً أن تتعرّف على تجارب الممانعين المقاومين لا سيما الشبان من أمثالك ، لترى أنّ الممانعة ملكة يمكن اكتسابها
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق